الاستثناء في الإيمان بين أهل السنة والمرجئة
ثالثاً: الاستثناء في الإيمان بين أهل السنة والجماعة و المرجئة ، والاستثناء في الإيمان مثل أن يقول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله، فماذا يقول السلف في هذا؟ وماذا يقول المرجئة حتى يكون الخلاف حقيقياً؟ لا المرجئة يستثنون؛ لأنه شيء واحد بمعنى الإسلام، فإذا استثنى كان شاكاً في دينه، لكن إن قيل لأحد: هل أنت مؤمن؟ فإن قال: أنا مؤمن، دخل في باب التزكية، والله تعالى يقول: (( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ))[النجم:32]، وقال: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ))[النساء:49]، لكن الإسلام تقوله، بمعنى: أنك من أهل القبلة، أما إذا أردت بالإسلام بمعنى مسلم حقيقي، فتقول: إن شاء الله، فهذا شيء آخر، قال تعالى: (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ))[الأحزاب:35]، لكن معنى (مسلم) بمعنى: أنني من أهل الملة، ومن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أهل القبلة، فهذه ما تحتاج إلى أنك تستثني فيها، لكن لا تقول: أنا مؤمن إلا مقيدة، بينما المرجئة يقولون: إذ قال العبد: أنا مؤمن إن شاء الله، فالمعنى عندهم فقط هو معنى الإسلام، ومعنى أنهم من أهل القبلة: أي: أنهم من أهل الملة، فإذا قال: إن شاء الله صار شكاً، والمعارك الطويلة التي في التاريخ كله في كتب الفقه بين الشافعية والحنفية من أجل هذا، وهذا من الجهل، والأئمة المتبوعون رضي الله عنهم وأرضاهم في كل العصور -والله أعلم- شيء والأتباع المتعصبون شيء آخر، فالأتباع المتعصبون يأتون بالعجائب مما لم يخطر على بال المتبوعين ولم يقولوه ولم يلتزموه، لكن أولئك يغلون ويغلون حتى يأتوا بأمور لم يكن ليقرها أولئك الأولون؛ فلذلك يقولون: لا تصح الصلاة خلف الشافعية، وهذان المذهبان هما اللذان كانا سائدين في شرق العالم الإسلامي بلاد ما وراء النهر وما حولها وخراسان و العراق ، فالحنفية يقولون: لا تصح الصلاة خلف من يشك في إيمانه؛ لأنهم يجوزون أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله. وفي الحقيقة هو لا يشك في إيمانه، لكن ذلك من إلزامات المتعصبين، وما أكثر التعصب! وما أكثر الإلزامات الباطلة التي يلتزمها أو يلزم بها المتعصبون.أما أهل السنة والجماعة -والحمد لله- فكما هو معلوم يستثنون إذا كان قد يفهم التزكية، وقد يستثنون للتحقيق، أي: قد يخرج الاستثناء عن معناه اللغوي، أو المعروف العام في اللغة إلى معنى آخر صحيح وثابت في لغة العرب، بل في القرآن، من ذلك قوله تعالى: (( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ))[الفتح:27]، فهذه (إن شاء الله) تحقيق لا تعليق، كما جاء في السنة في دعاء زيارة القبور: ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون )، فهل هذا على بابه كما يقولون؟ إن كل حي وكل مسلم لا بد أنه لاحق بهم، فهو تحقيق وليس تعليقاً، إذاً: فقد يخرج الاستثناء عما هو عليه في الاستعمال الغالب.